وادي السيليكون؟ الإبداع ليس مرتبطاً بمكان ما!
إنه يعيش أنموذج المستقبل للصحافيين، والذي لا يعرفه آخرون إلا من خلال محاضراتهم في المؤتمرات أو الجامعات. الفرنسي فرانسي بيزاني “صحافي في مجال ريادة الأعمال“. وقد جهز لمشروعه الصحافي الجديد، الذي يموله بنفسه، طوال مدة ثمانية أشهر. المشروع عبارة عن رحلة حول العالم للبحث عن أماكن يمكن فيها تحقيق أفكار مستقبلية إبداعية. بالنسبة لبيزاني فقد سبق له أن قضى 15 عاماً في وادي السيليكون، حيث كان ينشر تقارير عن التقنيات الحديثة. غير أن ابن الـ 69 عاماً واثق تماماً من أن الإبداع سيكون مصدره أماكن أخرى مختلفة كليةً في المستقبل، فمنذ أيلول/سبتمبر 2011 زار أكثر من 30 مدينة، من مكسيكو إلى ريسيفي، ومن أكرا ونيروبي وحتى كيب تاون، ومن القاهرة وحتى بيروت وتل أبيب. كما زار روسيا والهند وإندونيسيا.
حالياً يستعد بيزاني في باريس لخوض الجزء الأخير من رحلته، والذي سيشمل سنغافورة وطوكيو وبكين، وفي الختام نيويورك وسان فرانسيسكو. اسم مشروعه “وينش 5″ (Winch5)، وهو اختصار لـ: موجة الابتكار والتغيير في القارات الخمسة. ويموّله ذاتياً من عائدات بيع تقاريره إلى عدد لا بأس به من وسائل الإعلام. ينشر بيزاني تقارير عن رحلته في صحف يومية مرموقة مثل “لوموند” أو “إل بيس” و “فولها دو ساو باولو” أو “كلارين” في الأرجنتين. كما يدوّن لمؤسسة تيلفونيكا وشركة الاستشارات كابجيميني. إتقانه لعدة لغات وسمعته الممتازة كصحافي ساعداه كثيراً في بيع منتجه، إذ يتحدث بيزاني خمس لغات بطلاقة، كما نشر مقالات في أكثر من مائة صحيفة ومجلة في جميع أنحاء العالم. كما حاز بيزاني على منحة نيمان المقدمة من جامعة هارفارد ومحاضر ضيف في جامعات بيركلي وستاندفورد.
قضيت سنوات طويلة في وادي السيليكون، حيث كنت تنشر تقارير عن التقنيات الحديثة. وها أنت تقول اليوم إن الإبداع بعد بضع سنوات لن يكون مصدره وادي السيليكون كما هو الحال الآن، بل في أماكن أخرى من العالم. على ماذا تستند في فرضيتك هذه؟
حسب رأيي هناك عدة أسباب، أحدها أن وادي السيليكون فقد حيويته، والكثيرون يشاطرونني هذا الرأي، على سبيل المثال ديف واينر، أحد مؤسسي المدونات، أو نيك دنتون مؤسس موقع “غاوكر”، اللذان اختارا السفر إلى نيويورك، لأنها مدينة حيوية حسب رأيهما. في حين يظهر أناس آخرون إحباطهم ببساطة. أتذكر لقاء أجري مع جيري يانغ، مؤسس موقع ياهو في عام 2006. في أول مكتب لياهو كانت دراجته مركونة هناك، كما كان الموظفون الأوائل ينامون في المكتب. قال لي: “أريد تغيير العالم وأن أصبح مليونيراً.” وحتى اليوم لا يزال هناك أناس من ذوي الكفاءات، لكنهم لا يريدون سوى أن يصبحوا أثرياء. لم يعد هناك تلك الإرادة الصلبة في تغيير العالم. يضاف إلى ذلك أن التحديات، التي كانت تهم الناس هناك والمتمثلة بزيادة الإنتاجية الذاتية، بلغت حدها الأقصى في الوقت الحالي. كما أنني أعتقد أن هناك الكثير من المقترحات التي سبق وتم تدوالها في السنوات السابقة، بخاصة فيما يتعلق ب، ويب 2.0. الأمر سيكون مختلفاً تماماً إذا نظر المرء إلى باقي بلدان العالم. في الوقت الراهن يوجد في كل مكان أناس أدركوا أن الإبداع هو مصدر التنمية والتطور، يعملون على ذلك. ويخاطرون برأسمالهم، ويحاولون إثبات قدراتهم. حالياً لا يحتاج المرء إلى رأس مال كبير لكي يأسس مشروعاً، كما أنه بفضل الإنترنت بإمكان المرء التعاون مع باقي أصقاع العالم.
ما هي الأماكن التي فاجأتك بشكل خاص؟
ثمة مهوسون في جميع أنحاء العالم، وهذا الأمر ينطبق على أفقر وأقل مناطق العالم تطوراً. أكثر ما دهشني هم الناس في أكرا في غانا وفي نيروبي. وفي منطقة الشرق الأوسط فاجأني لبنان وإسرائيل على وجه الخصوص. أنا واثق من أن إسرائيل ستصبح إحدى الأمم الرائدة في مجال تقنيات المعلومات. كما أعتبر ريسيفي في البرازيل مثيرة للاهتمام، فقد نجحت المدينة في جذب العقول الذكية والشركات الناشئة على صعيد البرازيل وعلى الصعيد العالمي أيضاً. وحالياً ثالث أهم منطقة لصناعة التكنولوجيا في البرازيل.
في القارة الإفريقية هناك موقع “أفريقا لاب”، وهو عبارة عن شبكة متكاملة عن أماكن تواجد الإبداع. هل لديك أمثلة محددة لتطور تراه مهماً؟
في غانا هناك شركة تدعى “ناندي موبايل” (NandiMobile). وهي تساعد الشركات عبر رسائل الجوال القصيرة، والذكاء الفني على تقديم خدمات أفضل للعملاء. كما أن هناك شركة ناشئة هي مبيديغري (Mpedigree)، وتساعد هذه الشركة في كشف الأدوية المزور. وهناك موقع “شوب أفريكا 53“، ويمكن تشبيهه بمتجر كبير إلكتروني يتيح للشركات الإفريقية الصغيرة تسويق منتجاتها. أسس الموقع هيرمان شينري هيسه، الذي أعتبره مثل بيل غيتس إفريقيا. وفي نيروبي نجد “إم – بيسا” (M-Pesa)، وهو نظام لنقل الأموال تقدمه “سافاريكوم” (Safaricom)، وحتى الآن لا يحظى بالتقدير الذي يستحقه. يتيح هذا النظام إجراء التحويلات المالية عن طريق الهواتف المحمولة. كما يتيح لك الشراء في السوق في نيروبي من خلال هاتفك المحمول. وهذا الأمر غير ممكن في باريس. هذا غيض من فيض، والقائمة طويلة جداً.
من هم الأشخاص الذين يحققون أفكاراً ابتكارية؟ غالباً ما نسمع نقداً مفاده أن الدول الصناعية الغربية تهيمن بابتكاراتها على العالم، وأن معظم المبادرات في الدول النامية هي في النهاية من ابتكار أوروبيين وأمريكيين، الذين يقودون في الخفاء تلك المشاريع في البلاد النامية؟
هناك أمثلة لذلك بالتأكيد. في بداية تطور تكنولوجيات المعلومات كان في البلاد النامية أشخاص من الشمال أو الجنوب الذين تلقوا تأهيلهم في الشمال. لكن يمكن القول إننا تجاوزنا هذه المرحلة. ليس هناك سبب لتشويه سمعة كندي أو لبناني أو هندي، فقط لأنه قضى بضع سنوات في الولايات المتحدة أو بريطانيا؛ فنحن نعيش في عالم مفتوح، ولأي شخص الحق في استقاء العلم من المكان الذي يريديه. المهم في الأمر هو أن يعود أولئك الناس إلى أوطانهم، حيث يساعدون أبناء وطنهم في حل مشاكلهم. وهذا ما أراه في كل مكان. أحد تلك الأمثلة الكثيرة: عادل يوسف، مؤسس موقع “أنت فين” (Intafeen). إنه شاب مصري وعمل في غوغل في السابق، وهو مطوّر “تحديد موقعي” (My Location). عاد إلى وطنه لكي يعمل على برمجة تحديد الموقع باللغة العربية.
الكثير من يمارسون النقد ينسون أن أفضل الأفكار في وادي السيليكون، وفي باقي البلدان الشمالية أيضاً، كان مصدرها أفضل الأدمغة القادمة من الجنوب. كثيرون من مؤسسي الشركات الناشئة في المنطقة المحيطة بخليج سان فرانسيسكو في الثلاثين عاماً الماضية ليسوا من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية. مثال واحد فقط: أحد مؤسسي “إنستاغرام” الاثنين هو مطوّر برامج برازيلي رائع.
ما هي الظروف التي يجب تهيئتها للإبداع؟
من المهم أولاً المهووسون، فكثيرون تعلموا البرمجة ذاتياً عبر الإنترنت. أي أنه يجب أن يكون المرء على صلة بالإنترنت. وقبل كل شيئ أنت بحاجة إلى توفر الشركات والمال. كثيرون يبدأون مشاريعهم بأموال الأسرة أو الأصدقاء. وغالباً ما تكون المشكلة هي كيفية تمويل المرحلة الثانية والثالثة من المشروع.
لقد غيّر الهاتف المحمول شكل العالم أكثر من أي جهاز آخر. إلى أي مدى غيّر الهاتف المحمول المجتمعات في الدول النامية؟
من وجهة نظري فإن إفريقيا تتميز عن الولايات المتحدة وأوروبا الغربية بنقطة حاسمة: فنحن نرى في الهاتف المحمول مجرد وسيلة مكمّلة، في حين أن الناس في إفريقيا حوّلوه حالياً إلى وسيلة للتواصل والمعلومات؛ فكل شخص يمتلك هاتفاً محمولاً، وهو رخيص الثمن. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الهواتف الذكية قليلة في إفريقيا، ونسبتها ما بين 1 في المائة و 5 في المائة. غير أن هناك الكثير من الابتكار والإبداع فيما يتعلق باستخدام الرسائل القصيرة. الهواتف المحمولة الشائعة هناك هي تلك المعروفة بــ“فيتشر فون“، (والتي تعتبر بين الهواتف المحمولة البسيطة والهواتف الذكية)، والتي تُستخدم بطريقة ذكية. ويمكننا التعلم من ذلك.
هنا يمكنكم قراءة تقارير فرانسي بيزاني (على التويتر: @francispisani)
Winch5 بالإنجليزية: www.capgemini.com/winch5
أو على الموقع: thenextweb.com/tag/winch5
Winch5 بالفرنسية: winch5.blog.lemonde.fr
Winch5 بالإسبانية: unpasomas.fundacion.telefonica.com/winch5
وبالبرتغالية: على موقع “فولها دو ساو باولو“Folha/francispisani