ما هو مستقبل الصحافة المطبوعة؟
في الوقت الذي تعاني فيه الصحف في جميع أنحاء العالم من أزمة متصاعدة بسبب منافسة شبكة الإنترنت، يبقى السؤال المطروح هو ما الذي سيحدث للمطبوعات. وجهت أكاديمية دويتشه فيله دعوة إلى 11مدير ومحرر صحيفة من بلدان مختلفة مثل كينيا وقيرغزستان إلى ألمانيا لاستكشاف سبل تجعل صحفهم تتماشى مع المستقبل الرقمي. وأثناء فترة تواجدهم في ألمانيا سألنا بعضهم عن رأيهم في كيفية إمكانية تطوير الصحافة المطبوعة في السنوات القادمة. وإليكم الإجابات التي حصلنا عليها.
راؤول بنياراندا، مدير سابق باغينا سيته، بوليفيا
“سوف تحتفظ الصحف بهذا الاسم لقرون. لكنها لن تكون موزعة على الورق. ربما يكون الاسم الأنسب لها “الأخبار اللوحية” أو “الأخبار الجوالة“. لكن الورق سيبقى. التقنيات الجديدة وازدياد أعداد الناس في جميع أنحاء العالم الذين يستخدمون الإنترنت والأجهزة الجوالة الجديدة، جعل توزيع الأخبار المطبوعة أمراً غير مجدٍ، فهي أكثر تكلفة وتؤثر على البيئة وليست لها صلة بالجيل الشاب. ما سيبقى من الصحافة نفسها بالتأكيد هو النشر عبر وسائل الإعلام بشكل واقعي، ومكتوب بشكل جيد، وصناعة أخبار وفق الأخلاقيات ذات صلة بالسياق. لذا فإن مستقبل الطباعة مشرق كإشراقة شاشة الجهاز الذي يستعرض الأخبار.”
ألينا رادو، مديرة زيارول دي غاردا، مولدافيا
“من الصعب معرفة ذلك، لكن ثمة مستقبلاً بالتأكيد. نحن، الصحافيين العاملين في الإعلام المستقل في مولدافيا، واجهنا تهديدات مختلفة. ورُفعت دعاوى قضائية بحقنا، وتعين علينا الذهاب إلى المحكمة أسبوعياً لنوضح في كل مرة لماذا كتبنا قصة معينة عن الفساد أو الإتجار بالبشر أو إساءة استخدام المال العام أو انتهاك حقوق الإنسان. وبعد كل ذلك نواجه الآن تحدياً جديداً له علاقة بوسائل الإعلام المطبوعة. على مر السنين الماضية استطعنا أن نواصل عملنا الاستقصائي في صحيفة زيارول دي غاردا في مولدافيا، وليس لدي أدنى شك أن أمامنا الكثير من العمل والكثير من الأفكار التي ستجعلنا نستمر. صحيح أن لدى المولدافيين اليوم أجهزة إنترنت أكثر من دورات المياه، كما أن شبكة الإنترنت في مولدافيا تعد من أسرع الشبكات من بين دول المنطقة. ولكن ذلك لا يعني أن الصحف الورقية ستختفي بعد وقت قصير. ربما سيصبح معظمها إلكترونياً، لكن حتى الآن ما زلنا نعاني من مستويات فساد مرتفعة وارتفاع في معدلات الفقر وانعدام الشفافية وعدم احترام حقوق الإنسان. وهذا يعني أن هناك دائماً فرقاً من المراسلين النشطين الذين سيحافظون على استمرارية تطلع الصحف الورقية والصحافة إلى الديمقراطية.”
بيتر أوكونغو، نائب رئيس تحرير ستاندارد، كينيا
“غرفة أخبار الغد ستكون متكاملة تماماً. ستصبح الصحافة الإلكترونية والمطبوعة والراديو جنباً إلى جنب في مركز غرفة الأخبار، حيث سيجلس المحررون ومساعدوهم والمراسلون جميعهم معاً. صحيفة “ستاندارد” في نيروبي، كينيا، اعتمدت هذا الأنموذج بالفعل، والأمور تسير بشكل رائع!”
مرتضى سولانغي، مدير عام سابق، لكل من ميديا تايمز وهيئة الإذاعة الباكستانية
“ربما لن تكون صحف المستقبل ورقية، لكنها ستستمر في الحفاظ على تقليد التقرير والتحليل الشاملين. ومع ذلك ستجمع بين الميزات الحديثة مثل الأرشيف وقابلية التعديل والتفاعل، فضلاً عن دمج الصوت والفيديو والصورة. وبرغم ذلك قد تحتوي صحف المستقبل على بعض الأقسام المتخصصة للمواضيع العاجلة والآنية، وستكون من أولوياتها التعمق في المواضيع والمزيد من التحليل.”
كينيث أشيغبي، مدير الإدارة ورئيس تحرير في مجموعة الاتصالات الغرافية، غانا
“سيتطلب المستقبل من العاملين في مجال الصحف أن يقوموا بمهامهم بشكل مختلف. سيتطلب أن تكون هناك علاقة وثيقة بالجمهور والتحول من “منظور القراء” إلى “منظور الجمهور“. سيتطلب إعادة تعريف العمل، من صيغة “عمل الصحف” إلى صيغة “عمل توفير المضمون“. سيتعين على الصحف تزويد الجمهور بأكثر من مجرد معلومات فقط، بل أيضاً التعليم والترفيه. عليها أن تصبح أداة ترافق حياة الناس. وهذا الأمر سيتطلب غرفة أخبار وإدارة متكاملتين ومتقاربتين. كما أن الصحافيين لن يستمروا كصحافيي مطبوعات بسطاء، ولكن سيصبحوا صحافيي وسائط متعددة ينتجون محتوى لمواقع متعددة. سيتطلب المستقبل نشر القصتين اليوميتين بشكل أفضل، وسوف يتجاوز إنتاج الأخبار إلى إنتاج قصص جيدة وحصرية ومدروسة جيداً، إضافة إلى قصص التحقيقات، التي يكون محورها الجمهور.”
لوز ماريا هيلغيرو، ناشرة في إل تيمبو دي بيورا، البيرو
“نحن نؤمن أن مستقبل المطبوعات سيكون المواقع الإلكترونية، ولهذا السبب نحاول تحسين حضورنا الإلكتروني. وفي الوقت ذاته علينا أيضاً أن نأخذ بعين الاعتبار أن صحفنا الورقية ربما ستستمر لعقد من الزمن أو أكثر. نعتقد أن تقرّب الصحف المحلية من مجتمعاتها يعد ميزة علينا أن لا نفقدها، بغض النظر عن موقعنا الإلكتروني. وهذا الأمر يجعلنا نعيد تقييم مؤسستنا، بحيث يمكننا مرافقة قرائنا في القرن الواحد والعشرين. الأساس المنطقي لصحيفتنا – من خلال التزويد بالمعلومات التي يحتاجها المجتمع لصالح أولئك الذين يشكلون المجتمع – هو جزء من أساس صحيفتنا اليومية، وسنستمر على هذا النهج.”
نيكولا توميتش، نائب رئيس التحرير في داناس، صربيا
“مستقبل الإعلام المطبوع غامض وغير واضح، ولكن مصيره لم يُقرر بعد. ستستمر الصحف الورقية لطالما هناك أناس يريدون قراءتها، وهذا لن يكون خلال فترة قصيرة. على كل حال، فإن السوق متقلبة مع تحول المعلنين إلى الأونلاين، كما أن القراء يستخدمون الأجهزة الرقمية بشكل متزايد. استمرار وسائل الإعلام المطبوعة في ظل هذه التغيرات يعتمد على قدرتها على التكيف مع الظروف العالمية الجديدة. شكل المحتوى الرقمي وتنويع الأنشطة التجارية يجب أن يكونا توجهين أساسين في المستقبل بالنسبة للإعلام المطبوع. والأمر المهم الآخر هو أن يكون هناك تقارب أكثر مع القراء. علينا أن نخرج من “برجنا العاجي” في غرف الأخبار وهيئات التحرير، ونتفاعل بشكل حيوي مع المجتمع. ولكن الإصرار على صحافة عالية الجودة يجب أن يبقى في الصميم. بغض النظر عن الأزمات الاقتصادية، يجب أن تكون جميع نشاطات الإعلام المطبوع مرتكزة على توفير المحتوى الصحافي والتحريري الأفضل والأعلى حرفية.”
ألكسندر توزوف، نائب رئيس التحرير في فيشرني بيشكيك، قيرغزستان
“أعتقد أن مستقبل الصحافة المطبوعة يعتمد بشكل قوي على جيل الشباب، كونه المعني. وفي هذا الصدد أضرب مثالاً هي صحيفة “دي فيلت” الألمانية، التي طورت نسخة شبابية مهمة جداً هي “دي فيلت كومباكت“. كما أن اهتمام المعلنين في وسائل الإعلام المطبوع لن يتوقف، حتى في بعض الدول التي تشهد تطوراً في الإعلام الإلكتروني مثل قيرغزستان. لا تزال الإعلانات المطبوعة تعد ضماناً لتحقيق مكاسب مالية أكثر.”
تانغني أموبادي، محرر ذي نامبيان، نامبيا
“إن ظهور الإنترنت سهّل على الناس الحصول على المعلومات، لكن ذلك جعل من الصعب العثور على معلومات ذات نوعية عالية. وهنا يأتي دور الصحافة. سيزداد اعتماد الناس على الصحافيين من أجل مساعدتهم على معرفة ما هو مهم، وكمية المعلومات التي يحتاجون لفهمها لكي يتخذوا قرارات متعلقة بشؤؤن حياتهم اليومية. ستُستبدل وسائل الإعلام الجماهيري بـ“صحافة المتجر“. أظن أنه ستكون هناك صحافة تدفع جيداً، لأن القراء سيثمّنون المعلومات على عكس ما تفعله الشبكات الاجتماعية وما شابه. من المؤسف أن يصبح العثور على الصحف (الورقية) أمراً صعباً.”
من أجل ورشة عمل حول مستقبل الصحافة المطبوعة، دعت أكاديمية دويتشه فيله محرري صحف من بوليفيا ومصر وغانا وكينيا وقيرغزستان ومولدافيا ونامبيا وباكستان والبيرو وصربيا وأوغندا. كما زار المحررون غرف أخبار عدد من الصحف الألمانية الرائدة لكي يتعرفوا على استراتيجياتها التحريرية في المستقبل. للمزيد من المعلومات عن ورشة العمل اضغط هنا.
فريق المشروع: أوليفر شيلينغ (منسق المشروع)، يوتا فوم هوفه (مدربة ومديرة مشروع)، بيتر بيرغر (مدرب أساسي)، باتريك هاشينغولا (مساعد في المشروع).
شتيفن لايدل / كيت هيرسين