جون غوتس: “وكالات الاستخبارات لا تعمل جيداً”
ثمة مواضع قليلة على خرائط غوغل (غوغل مابس) يتم جعلها ضبابية، وهي تثير فضول الصحافي الاستقصائي “جون غوتس” وزميله “كريستيان فوكس“؛ اللذين يتساءلان عما تم إخفاؤه في ألمانيا عن أعين الناس. وبعد سنوات من البحث المعمق عثرا على إجابة لسؤالهما: لقد اكتشفا أن وكالات استخبارات أمريكية تشن جزءاً من حربها على الإرهاب من الأراضي الألمانية، بما في ذلك استخدام طائرات بدون طيار في إفريقيا.
غوتس، الذي يعمل حالياً لقناة “إن دي أر” وصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانيتين، غالباً ما أثار تساؤلات في تحقيقاته ضد وكالات الاستخبار. وقد ساعد في فضح مقرات سجون وكالة الاستخبارات الأمريكية في أوروبا، فضلاً عن المشاكل التي أدت إلى استخدام الولايات المتحدة معلومات خاطئة مصدرها المنشق العراقي المعروف باسم “كيورفبول“، (الذي لا يزال يعيش في ألمانيا)، لتبرير الحرب على العراق. “إن جوهر الصحافة هو إظهار ما إذا كان بلد ما يعيش كذبة وطنية“، هذا هو أحد شعارات غوتس.
آخر مهمة قام بها غوتس كانت لقاءه بأحد أكثر الأشخاص المطلوبين عالمياً، إدوارد سنودن، الذي اكتشف الفساد في وكالة الأمن القومي الأمريكية. وعلى الرغم من، أو ربما بسبب تحقيقاته في أنشطة وكالات الاستخبارات الأمريكية الأمنية، فإن غوتس في موقف مريح يحتمل فيه أن يكون خاضعاً للرقابة.
“وكالات الاستخبارات لا تعمل جيداً“، يقول في مقابلة مع أون ميديا.
الكشف عن أنشطة تجسس الأمن القومي على الناشطين جعل الكثير من الصحافيين قلقين من كيفية حماية معلوماتهم. هل مخاوفهم في محلها أم مبالغ فيها؟
أعتقد أنه من المهم حماية المصادر. أظن أن من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتقنا كصحافيين أن نحمي الأشخاص الذين يخاطرون في حديثهم إلينا. والسبب هو أن هناك الكثير من الأمور التي لا ينبغي لك أن تقوم بها من خلال الآيفون أو الهاتف الذكي، فإذا كنت مهتماً بحماية الأشخاص، فإن تلك الأجهزة ليست محصنة جيداً.
أرى أنك تمتلك جهاز آيفون. ما الذي تفعله لحماية اتصالاتك؟
أقوم بتشفير رسائلي الإلكترونية باستخدام برنامج التشفير “PGP“. وعندما تكون لدي محادثات مهمة، ألجأ إلى برنامج “Jabber“. لكن عليك أن تتذكر أني لا أبحث عن هذه الأشياء لكي يتم تخزينها في أرشيف، إذ ينتهي المطاف بكل تلك المعلومات في الصحيفة؛ إنها مهنة عامة جداً. لكننا نقوم بأمور خاصة للتأكد أن الأشخاص الذين زودونا بمعلومات في أمان.
عندما بحثت عنك في غوغل، وجدت أن لديك حساباً على التويتر، وكذلك حسابات أخرى على شبكات التواصل الاجتماعي. هل لديك أية مخاوف أمنية حول تلك الاستخدامات؟
أستخدم التويتر لقراءة الأخبار، لكني لا أغرد أبداً. لكني أستخدم شبكات التواصل الاجتماعي طوال الوقت للعثور على أشخاص. فعلى سبيل المثال إذا أردت العثور على قائدي طيارات بدون طيار في ألمانيا، فيمكنك أن تبحث عن أحد يعمل لدى قوات القيادة الإفريقية الأمريكية ويعيش في ألمانيا. في الواقع بإمكانك العثور على كثير من الأشخاص الذين لهم علاقة بوكالة الأمن القومي، ويعيشون ويعملون في ألمانيا. وكالات الاستخبارات الأمريكية تخضع لتقلبات كبيرة، ما يجعل أولئك الأشخاص دائمي البحث عن وظيفة جديدة. ويضعون ملفاتهم على شبكة الإنترنت، ومن السهل استخدامها في عملية البحث.
برفقة البرلماني الألماني كريستيان شتروبيله التقيت بعميل وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن في تشرين أول/أكتوبر 2013. وكان الاجتماع سرياً. هل تعتقد أن وكالات الاستخبارات كانت على علم مسبق بهذا الاجتماع؟
هذه مجرد تكهنات. لا أدري فيما إذا كانت الوكالات قد تجسست علينا أم لا.
هل أنت قلق من أن تكون خاضعاً لعمليات تجسس؟
أنا لست قلقاً من أن أخضع للرقابة، ولكنني قلق على الأشخاص الذين يخاطرون بأنفسهم لكي يتحدثوا إلي أو يزودونني بالمعلومات، وقد يتسبب ذلك بمشاكل لهم لأني لم أتوخى الحذر. الأمر الرئيس هو أننا لم نناقش لقاء سنودن على الهاتف، ولم نتحدث علناً عن ذلك. توخينا الحذر لأن الأمر يتعلق بسلامة إنسان، وهذا مهم بالنسبة لنا. لكن ينبغي على الصحافيين والآخرين أن يتذكروا أن المؤسسات، كوكالات الاستخبارات، يشرف عليها ويعمل فيها أناس يحبون صغائر الأمور، إذ لديهم اهتمامات تافهة ويحورون معلوماتهم لإرضاء رؤسائهم. إنهم لا يعملون كما ينبغي، ولم يعملوا جيداً أصلاً.
ماذا تعني من ذلك؟
هناك كثير من الناس (بخاصة الكثير من الناشطين) يفترضون أن بإمكان وكالات الاستخبارات الحصول على جميع المعلومات. هذا صحيح من الناحية النظرية، لكن تلك المؤسسات في الواقع، وبخاصة في الولايات المتحدة، لا تعمل بشكل صحيح. انظر مثلاً برادلي مانينغ، الجندي الأمريكي الذي سرب وثائق ويكيليكس. لم يتم اعتقاله لأن وكالة الأمن القومي لم تستطع التوصل إليه. لم يكن بمقدورهم أن يتعرفوا على شخصيته. السبب الوحيد في إلقاء القبض على مانينغ هو لأنه تحدث إلى أدريان لامو (الذي سلم مانينغ إلى السلطات الأمريكية لاحقاً).
آخر بحوثك “حرب سرية” يفضح عمليات أمريكية لمكافحة الإرهاب والتي كانت تنطلق سراً من قواعد في ألمانيا. تتذرع الحكومة الألمانية بأنها لم تكن على علم بهذه العمليات. لكن أحد المعلقين كتب أنك لم تأتِ بجديد في بحثك. هل هذا صحيح؟
أعتقد أن جوهر الصحافة الجيدة هو كشف كذب المجتمع على ذاته. تقول ألمانيا عن ذاتها إنها تلعب دوراً كبيراً لضمان السلام في العالم، معتقدة أنها مختلفة عن بقية الكوكب لأنها تعتقد أنها تتبع سيادة القانون، وتقول لنفسها إن حلفاءها يتبعون تلك القواعد، وإن دولاً مثل إيران وروسيا، لا تتبع تلك القواعد. لكن هذا وهم كبير، فكثيراً ما لا يتبع حلفاء ألمانيا سيادة القانون. فضح ذلك هو الصحافة. أعتقد أنه من المهم نشر ذلك إذا لم تعلن الحكومة الألمانية ذلك لمواطنيها.
هل يسمح أن يتعرض الصحافيون للإساءة أثناء تقصيهم عن الحقائق؟ ألا ينبغي أن يكونوا حياديين؟ أثير مؤخراً نقاش عما إذا كان كاتب عامود في الغارديان “غلين غرينوالد” ناشطاً أكثر من كونه صحافياً.
لا أعتقد أن من المنطقي أن أكون الشخص الذي يتعرض للإساءة في الجدل العام. بدلاً من ذلك فإن المنطقي للصحافيين أن يستعرضوا الوقائع لإثارة نقاش وطني عام. لكن فيما يخص “غلين غرينوالد” فليس هناك شيء مستهجن. النقاش حول إن كان “غرينوالد” صحافياً أم ناشطاً هو نقاش تافه، ويثيره أساساً أناس في الولايات المتحدة يسعون إلى تشويه سمعة “غرينوالد“، ويظنون أن إدوارد سنودن خائن. غرينوالد ولاورا بويتراس (إحدى الصحافيين الأوائل الذين قابلوا سنودن وحصلوا على وثائق مسربة من وكالة الأمن القومي) قدما خدمة هائلة للبشرية، وهما من أهم الصحافيين حالياً.
لكن ألا ينبغي أن يميز الصحافيون أنفسهم عن الناشطين؟
الأمر الوحيد المهم هو أن تكون القصة حقيقية وأن تكون لديك الوثائق لإثبات صحتها. وهذا ما لديه “غرينوالد“، فهو يمتلك وثائق تثبت القصة.
أجرى اللقاء شتيفن لايدل، تحرير: كيت هيرسين