دان سينكر: “مستقبل الصحافة في شبكة الإنترنت المفتوحة”
دعم الإعلام الجديد حدود الصحافة من خلال إدخال التقنيات الحديثة. لكن السؤال هو: كيف بإمكان غرف الأخبار والصحافيين استغلالها في مجال الإبداع دون حاجتهم إلى الغوص في عالم الترجمة؟ لهذا الغرض تم إيجاد “نايت موزيلا فيلوس” (زملاء نايت موزيلا)، لطالما دعمت مؤسسة نايت جودة الصحافة والإبداع الصحافي. وفي عام 2012 تعاونوا مع مؤسسة موزيلا، والتي تدعم بشكل فعال شبكة إنترنت مفتوحة وبرمجيات مفتوحة المصدر. وأنشأ الطرفان “أوبن نيوز“، “الأخبار المفتوحة“، وهي عبارة عن شراكة قائمة على فكرة جمع الصحافة والتكنولوجيا تحت سقف واحد.
في عام 2013 اخترق “زملاء نايت موزيلا” مواقع مؤسسات إعلامية مرموقة مثل نيويورك تايمز وبي بي سي والغارديان وتسايت وشبيغل وبوسطن غلوب وبروبابليكا ولاناسيون.
شتيفن لايدل، من أكاديمية دويتشه فيله، التقى برئيس مشروع نايت موزيلا أوبن نيوز، دان سينكر . وتحدث الاثنان عن السبب وراء اهتمام قراصنة الإنترنت بالعمل مع الصحافيين في المقام الأول، وكيف بإمكان الصحافيين الاستفادة من مجتمع قراصنة الإنترنت المنتشر حول العالم وتحقيق تقدم في مجال برمجيات جمع البيانات.
ما هي نايت موزيلا أوبن نيوز؟
نحن حريصون على بناء وتعزيز مجتمع قراصنة الإنترنت، الذي يساعد على إعادة البناء والتفكير بالصحافة الإلكترونية. كثير من الأمور التي نقوم بها يساعد في دعم التقنيين المهتمين في الشأن الصحافي، وهذا يساعدهم في المضي قدماً في ابتكار برامج تخص الصحافة. جوهر ما نقوم به هو برنامج زمالة، حيث أننا نقوم بتضمين المطورين في غرف الأخبار في أرجاء العالم في مهمات تستمر لمدة عشرة أشهر. وذلك لكي يتمكن المطورون فعلاً من فهم المشاكل الصحافية من خلال التجريب، وتطوير مصادر مفتوحة وأفكار للمشاريع خلال تلك الفترة. كما نقوم بتمويل بسيط لأساسيات دليل الصحافة، وهو ما نسميه منح “كود سبرينت. كما لدينا موقع إلكتروني اسمه “مصدر“، وهو في الحقيقة محور هذا المجتمع، ويساعد على توثيق ما يحدث في الدليل وفي الصحافة. كما نرعى تجمعات البرمجة التشاركية للقراصنة المتعلقة بمواضيع صحافية في العالم، وذلك بهدف جعل المطورين يقضون بعض الوقت في التعرف على المشاكل الصحافية.
ما الذي يدفع المطورين للتعاون مع الصحافيين؟
أظن أن الجميع متفقون أن مستقبل الصحافة هو شبكة الإنترنت المفتوحة. وصلنا الآن إلى مرحلة لم يعد ممكناً فيها أخذ محتوى من أي وسط آخر ببساطة ووضعه على الشبكة العنكبوتية. نحن بحاجة حقاً إلى إنشاء المحتوى الموجود على الإنترنت. ومن أجل القيام بذلك علينا إشراك المزيد من الناس إنجاز شيء للصحافة الإلكترونية. وهذا هو الوقت المناسب، فليست هناك برامج كثيرة في هذا المجال. ولا بد من أن يكون هناك من يتحدث إلى المطورين بلغتهم، وإشراكهم في هذه العملية. وهذا هو ما نحاول فعله، من خلال بناء مجتمع من الناس قادر على بناء صحافة إلكترونية.
يبدو أن كثيراً من الصحافيين غير مكترثين بالإمكانيات الرقمية في الصحافة. لماذا يأبه أولئك بالتكنولوجيا؟
تاريخياً، الناس المنجذبون للصحافة هم رواة القصص والمحققون وأناس من هذا القبيل. وأن يصبح هؤلاء فجأة مطورين جيدين، فهذا أمر مستحيل. نحن نتحدث عن مجموعة مهارات مختلفة كلية ومجالات من الخبرة مختلفة تماماً. وما ينبغي علينا فعله هو جعل أولئك الصحافيين يفكرون جدياً بكيفية تعاونهم مع المطورين. تقليدياً، لقد كان أمراً مستهجناً للمطورين أن يقول لهم الصحافيون ببساطة: “أحتاجك لتفعل لي كذا.” وهذا بمثابة: “انتظر“. ما تحتاجه ليس بتلك الأهمية. في حال تعاونا معاً فبإمكاني مساعدتك فعلاً، بدلاً من أن تملي عليّ ما الذي يتوجب علي فعله. نحتاج إلى أن يفكر الصحافيون بالتعاون، كما نحتاج إلى أن يفكر المطورون بأن مشاكل الصحافيين هي مشاكل مهمة جداً بالنسبة لهم في الوقت الحالي.
عن أي نوع من المشاكل تتحدث؟
نتحدث عن عدة أشياء، بعضها هي أمور متعلقة بالبيانات فقط. لديك مطورون مهتمون جداً بمصادر المعلومات المفتوحة. القدرة على تحرير مجموعات البيانات، والقدرة على الغوص في تلك البيانات واستخلاص المعلومات منها، هي أمور مثيرة لكثير من الناس، وتعد الصحافة وسطاً ممتازاً لذلك. كما أنك تتحدث عن أسئلة تطوير مهمة على الشبكة. كيف تستعرض المعلومات على الشبكة؟ كيف يمكننا بناء أطر عمل ويب بأسلوب ذكي وقابلة للتكيف، وتقوم بالمهمة “س” في هذا اليوم والمهمة “ع” في يوم آخر؟ تلك هي مشاكل الصحافة التي تساعد بالفعل على دفع شبكة الإنترنت برمتها قدماً.
أحد الأمور الذي لفت انتباهي، إذا نظرنا إلى بنية شبكة الإنترنت اليوم، بخاصة إلى مجال الأطر؛ ثمة إطاران رائدان طورهما أناس على الإنترنت، هما “جانغو“، “باكبون“. جاء الإطاران من غرف الأخبار، وثمة سبب لذلك. والأمر ذاته ينطبق على “جفري“، وهو عبارة عن مكتبة رسومات صورية، وانبثقت من غرف الأخبار أيضاً. لأن استخدام هذه الأشياء يتم على نطاق واسع خارج غرف الأخبار. في حال تمكنا من جذب المطورين إلى عالم الصحافة، فلن تتقدم الصحافة وحدها قدماً، بل شبكة الإنترنت برمتها أيضاً.
أنت تتحدث عن مجتمع المطورين. كيف يعثر عليهم الصحافي؟
الشيء الوحيد، الذي طرأ عليه تغير جذري في العقد الأخير وتسارعت وتيرته في السنوات الخمسة الماضية، هو قدرة المطورين والهاكرز والمهندسين على تنظيم أنفسهم. يعود الفضل الأكبر في ذلك إلى نضج مجتمع المصدر المفتوح. وكذلك بفضل استخدام أدوات مثل “غيت هاب“، (وهي خدمة ويب لاستضافة مشاريع تطوير البرمجيات)، والتي سهلت كثيراً في مجال قواعد الرمز. أعتقد أن هذا جزء رئيس من الانخراط في مجتمعات المطورين، فهؤلاء الناس منظمون بالفعل. وبناء عليه ما عليك سوى أن تقصد تجمعاتهم وتقول: “نحن نريد أن نساعدكم بهذا، ونريدكم أن تساعدونا بهذا“.
هل هناك بلد ما أقمت فيه، يتعاون معك في هذا المجال؟
نحن نشارك بالأخبار العالمية. إحدى أولى الطرق لنتقرب من المجتمع تمثلت بوجود من يعتزم تنظيم حدث يتعلق بقرصنة الإنترنت وله علاقة ما بموضوع صحافي، كنا نرعى الحدث من خلال تقديم دعم مالي بسيط، لشراء الطعام أو استئجار مكان أو فعل أي شيء آخر يحتاجه المنظمون لإنجاح فعاليتهم. أحد الأماكن التي جرى العمل فيها بشكل مثير هي الأرجنتين، بخاصة في بيونس آيريس. لقد وجدنا هناك مجتمعاً مذهلاً من المطورين، وهم ملتزمون فعلاً، بخاصة في مجال المعلومات والبيانات المفتوحة. إنهم يسعون لابتكار أدوات والعمل مع الصحافيين ونشر المعلومات هناك بأية وسيلة ممكنة.
لماذا الأرجنتين؟
وفق نظريتي فإن لدى الأرجنتين تقافة تكنولوجية حيوية جداً، وهذا الأمر يعود إلى زمن الأزمة المالية في الماضي هناك. عند مستوى معين يدرك الناس أن القوة تكمن في البيانات. القدرة على تحرير تلك البيانات والقدرة على فسح المجال لأحد ما للدخول إلى تلك البيانات هي عامل تحفيز قوي جداً. بالنسبة لي هذا هو التفسير الوحيد الذي قد يكون له معنى. وهذا هو السبب لدي بأن يحدث ذلك في الأرجنتين وليس في أوروبا أو الولايات المتحدة.
هل بإمكانك أن تعطينا مثالاً حيث يعمل قراصنة الإنترنت بشكل ناجح في غرفة الأخبار؟
لدينا زميل يعمل حالياً في موقع “لاناسيون“، في بيونس آيريس هذا العام؛ إنه مانويل أريستاران. ما قبل العمل معنا كان يعمل على مشروع قمر اصطناعي. كما أنه كان دائماً مهتماً بالبيانات المفتوحة وكان لديه ما يكفي من الاهتمام لكي يطلق موقع بيانات مفتوحة عن مدينته. لقد كان رئيس المبرمجين في “لاناسيون” لإنشاء موقع إحصاء سكاني خاص بالأرجنتين، يضم بيانات تعداد السكان وخرائط وما إلى ذلك. لكن في وقت فراغه صمم برنامجا لسحب البيانات من ملفات بي دي إف. المشكلة المعقدة، والتي تعد حجر عثرة كبير على طريق تقدم البيانات المفتوحة الحكومية، هي الكثير من تلك البيانات موجودة كملفات بي دي إف، وليست كبيانات مجدولة يمكنك التعامل معها. وإذا ذهبت تلك البيانات فهذه ستكون مشكلة للأبد. وقد طور نظاماً لسحب تلك البيانات ببساطة قدر الإمكان. وعند انتقاله للعمل في “لاناسيون” أصبح لديه وقت أكثر لتطوير نظامه، كما استطعنا نحن ربطه بزملائنا الذين يعملون في “بروبابليكا“، لمتابعة تطويره. يسمى هذا التطبيق “جدولي“، وهو تطبيق ثوري.
ما هي الدروس التي تعلمتها خلال السنتين منذ إطلاق “أوبن نيوز“؟
لقد رأينا أننا نمتلك قدرة رهيبة لإدارة العمل التعاوني في غرف الأخبار عبر الحدود، من خلال زملائنا في غرف الأخبار وأيضاً لأننا الطرف الثالث المهتم بحل المشاكل المشتركة. إدارة غرفة الأخبار هو أمر طبيعي بالنسبة لهم، وليست تعاونية. ولأننا طرف خارجي فنحن قادرون على أن نكون وسيط تعاون بين الناس، الذين لا يميلون بطبيعتهم إلى التعاون. وهذا أمر مهم، لأن عالم برمجيات المصدر المفتوح يعتمد على التعاون قبل كل شيء. خصوصاً بالنسبة لغرف الأخبار، التي تريد أن تكون لديها فرق برمجيات متطورة منذ البداية، نيويورك تايمز أو بروبابليكا أو الغارديان أو لانسيون، عندها ستبدأ بالفعل برؤية أن هناك حاجة للتعاون، فغرف الأخبار تفهمت أن التشارك هو أمر طبيعي بالنسبة للمطورين. وتجميع تلك المعلومات هو أمر لاأخلاقي بالنسبة للهاكرز. إذاً، فبالنسبة لنا، القدرة على المساعدة بأشكال التعاون تلك هو درس مهم جداً.
هل تستهدفون أيضاً مؤسسات إعلامية في البلدان النامية أيضاً؟
في السنة الأولى كنا نعمل بشكل حصري مع مؤسسات إخبارية كبيرة في الولايات المتحدة وإنجلترا وألمانيا، وكذلك قناة الجزيرة الإنجليزية. وفي السنة الثانية أضفنا “لاناسيون“. نأمل أن نتمكن من الاستمرار في التوسع في بلدان نامية أخرى. الحيلة هي أن يكون لدينا شركاء لايروننا كمطورين مجانيين. مطورونا ليسوا موظفين، إنهم كيانات داخلية وخارجية. إنهم باحثون أكثر من أي شيء آخر. بحوثهم هي ثقافة غرف الأخبار، حتى أن الأبحاث يمكن أن تؤثر على التطورات والتجارب والأمور التي تريد القيام بها.
معظم الأدوات والبرامج بالإنجليزية. هل تعد اللغة مشكلة في بعض الدول النامية؟
تاريخياً، كان ذلك يعد مشكلة، لكن سرعان ما تصحح الأمر من تلقاء نفسه. عندما ازداد عدد المطورين في تلك البلدان بدأوا بترجمة الأدوات والبرامج، وبدأوا بنشر المعلومات. في أمريكا الجنوبية تُرجم كتيب بيانات الصحافة إلى الإسبانية. لم يترجَم فحسب، بل أصبح محلياً. فقد بدأوا يدركون هناك أن الكتيب معد بشكل رئيس لصحافيي بيانات الولايات المتحدة وأوروبا، في حين أن مشاكل أمريكا الجنوبية مختلفة.
هل يعني ذلك أن الصحافيين بحاجة إلى تعلم البرمجة؟
لا أعتقد أن الصحافيين بحاجة إلى أن يتحولوا إلى مطورين متميزين. هناك بعض من يختارون هذا الطريق، ولكنه طريق طويل. ما يحتاج الصحافيون القيام به، وعليهم أن يكونوا قادرين على القيام به، هو أن يفهموا كيفية التحدث إلى المطورين، وكيفية إشراكهم وكيفية التعاون معهم. معنى ذلك وجود قاعدة معرفة مشتركة. لا يتعلق الأمر “بأني أعرف أن أبرمج مثلك“. لا تتوقع أن يكون باستطاعة المبرمج كتابة قصة مثل الصحافي. ولكن عليك تكون قادراً على التعاون، وهذا يعني أن تكون قادراً على الحوار مع الآخرين، فهذا بطريقة ما يعني وعي الثقافات ببعضها البعض.