موقع أوكراني للتحقق من الحقائق يفضح البروباغندا
من المفترض أن هذه الصورة تُظهر أوكرانياً يبتسم وهو يأكل ذراع روسي ميت. نشر موقع rusvesna.su الروسي هذه الصورة في السادس من حزيران/يونيو، ومنذ ذلك الحين انتشرت الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الحقيقة فإن تلك الصورة مأخوذة من لقطة لفيلم روسي عن الخيال العلمي أنتج في عام 2008، واسمه “نحن من المستقبل”.
لم يستغرق الأمر أكثر من يوم واحد حتى نشر الموقع الإلكتروني الأوكراني stopfake.org تفاصيل أصل الصورة الحقيقية، وهي واحدة من مئات التقارير المزيفة التي فضحها الموقع منذ انطلاقته في آذار/مارس 2014.
يُشرف على موقع stopfake فريق متواضع من الطلاب الحاليين والسابقين من كلية موهيلا للصحافة في العاصمة الأوكرانية كييف. وعندما بدأت القوات الموالية لروسيا غزوها مرة أخرى لشبه جزيرة القرم في شباط/فبراير، دعا مدير الكلية، يفهين فيدشينكو، الطلاب والخريجين لجلسة عصف ذهني.
“كان هناك الكثير من البروباغندا الروسية والقليل جداً من الأخبار”، يقول فيدشينكو لموقعنا أون ميديا عبر السكايب من كييف. “اقترح أحد طلابنا إطلاق موقع إلكتروني لفضح البروباغندا، وهكذا قررنا على الفور إنشاء موقع stopfake على ووردبريس (WordPress).”
كمية المعلومات المضللة عن أوكرانيا مذهلة. ولعدة أشهر نشرت وسائل الإعلام الروسية، والتي يخضع معظمها لرقابة الحكومة، ما وصفته نيويورك تايمز بـ “الوعيد والغلو، … والتضليل والمبالغات ونظريات المؤامراة والخطاب التحريضي، ومن حين لآخر أكاذيب محضة عن الأزمة السياسية في أوكرانيا“. أما مؤسسات إعلامية أخرى، مثل بي بي سي والغارديان ومجلة شبيغل الألمانية، فقد كتبت مؤخراً عن “حرب بروباغندا بلا هوادة” تشنها روسيا.
بسبب الكم الهائل من التضليل الإعلامي باللغة الروسية، يقوم موقع stopfake بكشف ودحض الإدعاءات الكاذبة التي تسوقها وسائل الإعلام الروسية فقط، ولا يتطرق الموقع لادعاءات وسائل الإعلام الأوكرانية أو الحكومة الأوكرانية.
الموقع، الذي يكشف التزييف، أصبح يحظى بشعبية هائلة، ففي الأسابيع الأولى على انطلاقته زاره مليون ونصف المليون شخص، وبعض مقاطع الفيديو التي ينشرها أسبوعياً والتي تكشف تفاصيل التزييف، شاهدها أكثر من 100 ألف شخص على موقع يوتيوب.
التحقق من صحة الصور
التحقق من الصور ومقاطع الفيديو ليس بالأمر الصعب، يقول فيدشينكو، فالصحافيون الذين يعملون في الموقع يقومون بذلك من خلال النظر إلى البيانات الوصفية، والتي يمكن من خلالها كشف تاريخ ومكان التقاط الصورة، بالتوافق مع أدوات البحث مثل غوغل أو تطبيق فايرفوكس، “من سرق صوري؟” (Who stole my pictures?).
“ثمة صور أو لقطات يُزعم أنها التُقطت في أوكرانيا، ولكنها في الواقع صور من العراق وسوريا والمكسيك، وحتى من ساحة “تيان آن من” في الصين، وقد كان فضحها أمراً في غاية السهولة”، يقول فيدشينكو.
حتى أن موقع Stopfake.org أعد صفحة تحتوي على معلومات حول كيف يمكن للقراء التحقق من التزييف بأنفسهم، أملاً في أن يتعامل الناس مع المعلومات التي يجدونها على شبكة الإنترنت بشكل أكثر انتقاداً.
وفيما يتعلق بمواضيع أخرى، فإن الصحافيين يعتمدون بشكل كبير على الحرفية الصحافية الأساسية، وهي التحقق من الحقائق. على سبيل المثال، ادعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرخراً أن ثلث الأوكرانيين كان يعمل في روسيا. نظرة سريعة عبر الإنترنت على الإحصائيات الرسمية وموقع Stopfake.org تثبت أن سبعة في المائة فقط يعملون في روسيا. وهذا فرق هائل.
لكن ثمة شائعات أخرى أكثر صعوبة للتحقق منها، يقول فيدشينكو، بخاصة عندما تختلط المعلومات الخاطئة مع الوقائع الحقيقية. ففي مطلع شهر حزيران/يونيو تم إسقاط طائرة عسكرية في مدينة لوغانسك. إحدى النظريات تقول إن القوات الجوية الأوكرانية هي التي أسقطتها، وهناك نظرية أخرى تقول إن الإرهابيين الذين سرقوا الطائرة هم الذين قاموا بذلك.
“اطلعنا على كل الفرضيات، وجمعنا كل مقاطع الفيديو وقمنا بتحليلها من زوايا مختلفة، وحاولنا إعطاء توضيح للنظريات المختلفة،” كما يوضح فيدشينكو. “لقد حظي ذلك بشعبية كبيرة”.
الوصول إلى الأشخاص المعنيين
نجاح آخر هو الزر الأحمر الفاتح على الصفحة الرئيسية: “انشر شيئاً مزيفاً” (Report a Fake). عند الضغط على الزر يمكن لزوار الموقع إعطاء تفاصيل عن مقاطع مزيفة محتملة. عندما تمت إضافة هذا الزر للمرة الأولى، كانت المجموعة قلقة من أن يساء استخدامه من قبل من يسمون “المتصيدين”، وهم أناس يتقاضون مالاً لترك تعليقات على شبكة الإنترنت. ولكن المجموعة، كما يقول فيدشينكو، تلقت “أطناناً من ردود الأفعال” عن طريق الزر، الذي كانت له ميزة إضافية من خلال منح المستخدمين وسيلة للمشاركة في المشروع.
كان الموقع الإلكتروني يستهدف أصلاً الناطقين باللغة الروسية في القرم، حيث تم إغلاق وسائل الإعلام المستقلة الناطقة بالروسية منذ بداية الغزو. ومع ذلك، يبدو أن الروس أيضاً متعطشون للحصول على معلومات مستقلة، فثلث زوار موقع Stopfake.org هم من روسيا. كما أنهم نشطون جداً في كشف التزييف، حسب فيدشينكو.
كما أن للصفحة نسخة إنجليزية أيضاً، فقد كان مهماً بالنسبة للفريق أن يصل صوت الأوكرانيين إلى خارج حدود بلادهم. بعد أن تم اعتقال العديد من الصحافيين في شرق أوكرانيا، استدعت الكثير من المؤسسات الإعلامية الغربية، ومن بينها قناتا ARD و ZDF الألمانيتان الرسميتان، مراسليها من هناك.
وبالرغم من شعبية موقع StopFake، فإن أغلب أفراد الفريق يعملون صحافيين لمؤسسات إعلامية أخرى، ولا يستطيعون العمل للموقع الإلكتروني إلا في أوقات فراغهم. وقد حصلوا على تبرعات بقيمة 8 آلاف يورو، ولكن من ناحية أخرى يدفعون النفقات من جيوبهم الخاصة. لكن الأمل هو أن يحصل الموقع في المستقبل على تمويل يمكّنه من دفع رواتب دوام كامل للموظفين.
قدوة للآخرين
بصرف النظر عن المسائل المالية، يقول فيدشينكو إنه من السهل تكرار هذا المشروع في بلدان أخرى تعاني من مشاكل مشابهة، فلدى الفريق مهارات في شتى مجالات الصحافة الإلكترونية، بما في ذلك الكتابة والتحرير وقص الصور وتغيير قياسها، وتحرير مقاطع الفيديو وإنشاء رسومات غرافية لتقرير الفيديو الأسبوعي.
“نفعل نفس الأمور التي يفعلها أي شخص آخر، فنحن نبحث عن الحقيقة، ونتحقق من الحقائق، ونتحدث إلى الناس، وهذه الأمور عامة لتحسين الصحافة في أي بلد.”
وقد فاز موقع StopFake بجائزة أفضل مدونة اختارها الناس باللغة الروسية ضمن جائزة المدونات التي تمنحها مؤسسة دويتشه فيله، والمعروفة باسم البوبز