“الإعلام الليبي بحاجة إلى دعم حقيقي من صحفيين متخصصين”
الاعتقال أبعد غيداء التواتي ثلاثة شهور عن العالم، ومنعها من إيصال رسالتها أثناء الثورة الليبية. وكنها الآن تعيش الحرية في بلدها وفي داخلها ولا تتوقف عن رصد الواقع السياسي الجديد وتراقب عن كثب التحول الذي صنعه ثوار ليبيا. فيمايلي لقاء مع المدونة الليبية الجريئة غيداء أجراه الزميل خالد القواطيط في مدينة طرابلس بعد الإفراج عنها.
هل كان للمدونات دور في الثورة الليبية؟
ساهمت المدونات مساهمة كبير في الربيع العربي، لأنها لا تخضع لرقابة ولا يوجد عليها إدارة حكومية، وضوابط وكل مسؤول عن مدونته. ورغم وجود العديد من المدونات في ليبيا، إلا أن هناك أربع مدونات، إضافة لمدونتي تتحدث عن الأوضاع المزرية في ليبيا سواء الاقتصادية أو السياسية. وكان البعض يدون بأسماء مستعارة. وفي فترة الحجب عندما نشرت الخبر على مدونتي انتشر بعدها بشكل كبير وبدأ النظام بالانتباه لخطر المدونات على إثر ذلك.
والمدونات ساهمت في نقل الأحداث أثناء الثورة، ولكن لم تتح لي الفرصة في نقل الأحداث نتيجة اعتقالي. وكان الإنترنت مقطوعا بشكل شبه كامل عن ليبيا.
بعد الثورة نشاهد الانفتاح في التدوين، إلا أن بعض المدونين خائف بعض الشيء من وجود بعض أقطاب النظام في الحكم الجديد. الأمر الذي قد يؤدي إلى ملاحقتهم أمنيا. وحتى الآن يطلب مني الكثيرون الحذر نتيجة تدويناتي، خاصة وأنني أقوم بفضح بعض رموز الحكومة الجديدة. ولكن أتمنى أن تتاح لي الفرصة في تنظيم ندوات حول أهمية المدونات ومساهمتها في تغيير البلاد نحو الأفضل.
هل تعتقدين أن الثورة نجحت؟
الملك إدريس السنوسي قال “المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله“. وأنا أقول إن المحافظة على الثورة أصعب من نيلها، خاصة وأن هناك متسلقين وراكبي الأمواج، فهؤلاء كانوا من أعوان النظام السابق وأطالوا في عمره، ولكنهم يتبؤون الآن مناصب في المراكز الحكومية الجديدة والمجالس المحلية وهذا أكبر خطر على الثورة لأن تعودهم على الرشوة والمحسوبية لا يمكن أن ينتهي خلال فترة قصيرة، وهذا شيء غير مقبول في النظم الديمقراطية.
ومن هنا أوجه رسالة إلى كل مدون ليبي لترك التدوين الشخصي والاهتمام في هذه المرحلة بالثورة ونقل كل ما يتعلق بها وأن يقوم بفضح أي ممارسة حتى للحكومة الجديدة والمجالس المحلية الجديدة. وهذا تكريماً لدم الشهداء وكل قطرة دم سقطت في ليبيا، فيجب أن تكون هناك رقابة من الجميع على الجميع. فهذه هي صحافة الشعب، الملايين تنقل للملايين، ،عندما يشعر كل شخص بأنه مراقب من الآخرين المحيطين به، فمن الصعب أن يقوم بممارسة الرشوة أو الفساد.
هل هناك بنية تحتية للإنترنت والتدوين وهل هناك مشاركة للمرأة في هذا المجال؟
العادات والتقاليد الليبية تحول دون وصول الفتيات لمقاهي الإنترنت، الأمر الذي يحول دون وصول عدد كاف من الفتيات لمقاهي الإنترنت. واستخدام الإنترنت بحاجة لمكان مستقل مثل المنزل، خاصة وأن هناك صعوبات تواجه مستخدم الإنترنت، فأنا شخصياً أستخدم ADSL ورغم ذلك أواجه صعوبات كثيرة في الاستخدام، فأحيان يكون اتصال بالشبكة وأحيانا أخرى ينقطع هذا الاتصال. هذا إضافة إلى غلاء الأجهزة الالكترونية في ليبيا، فقد اضطررت للتوفير على مدى ستة أشهر كي أستطيع شراء كمبوتري المحمول. ومن هنا فليبيا بحاجة إلى ثورة اتصالات وبحاجة لتوصيل الإنترنت لكل بيت وأتمنى أن يصل جهاز الكمبيوتر والإنترنت لكل بيت وأن يمتلك كل شخص مدونة يرصد فيها مآخذه على ليبيا من أجل تقدمها.
وشركات الإنترنت حديثة العهد في ليبيا ومستوى المعيشة للمواطن الليبي كان ضعيفاً إبان حكم القذافي، فالمواطن لا يستطيع توفير ثمن جهاز الكمبيوتر وتوصيل الإنترنت أو شراء كرتات شحن الإنترنت، فقد كنت استهلك ما معدله أربعة إلى ستة كرتات شحن للإنترنت، أي ما قيمته أربعون إلى ستون ديناراً وهذا اضطرني لإلغاء أشياء مهمة في حياتي للاتصال بالإنترنت. ولذا فالمواطن الليبي لا يستطيع الاتصال بالإنترنت لأنه بحاجة لتوفير حاجيات المنزل وشراء الأدوات المدرسية لأولاده وغيرها من الأشياء المهمة. هذا إضافة إلى انعدام ثقافة الإنترنت في ليبيا، فأنا شخصياً ورغم امتلاكي للكمبيوتر، بسبب ظروف العمل، إلا أنني لم أكن أعرف كيفية استخدام الإنترنت، وبدأت بالقراءة والتعلم في كيفية استخدام الشبكة العنكبوتية شيئا فشيئا.
هل هناك صحافة مستقلة في ليبيا؟
هناك أنباء عن وجود عدد كبير من الصحف في بنغازي، والآن في بقية المدن الليبية. مع العلم أنه لم يكن هناك صحف ووسائل إعلام مستقلة في زمن حكم القذافي، وكان نظامه مسيطراً على وسائل الإعلام وكان يمنع صدور أي صحيفة غير تابعة للحكومة، الأمر الذي حال دون إيجاد صحافة مستقلة. ومن هنا أدعو الصحفيين الذين كانوا يعملون في الماضي، ولم يكونوا يؤيدون نظام القذافي بالتجمع وإنشاء صحافة مستقلة، خاصة وأن الصحف الورقية مهمة في الفترة الحالية، رغم عدم وجود ثقافة القراءة في المجتمع الليبي، وهذا يعود لعدم توفر الإمكانيات المادية لدى المواطن الليبي، لأن ثمن الصحيفة يصل إلى دينارين، أي ما يعادل دولارين، لأنه بحاجة لهذا المبلغ لتوفير علبة حليب لأطفاله.
ما الذي يمكن لألمانيا القيام به لدعم الإعلام في ليبيا؟
أطالب المنظامت الداعمة لحقوق الإنسان والداعمة لحق حرية التعبير بالقدوم إلى ليبيا وتقديم دورات صحفية مهنية، في كيفية صياغة الخبر والحصول على الأخبار المهمة أو كذلك ملاحقة المسؤولين والكشف عن وثائق الفساد إن كان هناك شيء مثل ذلك. أو كذلك تنظيم دورات في أمن المعلومات خاصة للمدونين والصحفيين، لأني شخصيا تعرضت لاختراق لجهازي من قبل أزلام النظام في العام الماضي وشهر بي لردعي عن الكتابة. أو أن يكون هناك دورات للصحفيين في كيفية استخدام الإنترنت، وأعتقد أن المستقبل للإعلام الإلكتروني، في حال وصول الإنترنت للمنازل، هذا مع العلم أننا لا نستطيع الاستغناء عن الصحف الورقية. ولدي فكرة، وهي تجميع ما ينشر على النت وطباعته في الصحف الورقية، وبذا نستطيع توصيل المعلومات المنشورة على الإنترنت إلى المنازل والأشخاص غير القادرين على شراء الكمبيوتر والاشتراك بالنت.
ما هي طبيعة الدورات التي يمكن تقديمها في الوقت الراهن؟
دورات في كتابة الأخبار والإملاء وكيفية كتابة التقارير الصحفية بأسلوب قصير شريطة أن يكون ملما، وكيفية جذب القارئ لمواصلة القراءة، خاصة وأن هذه مهارات لا بد من توفرها في شخص الصحفي.
ما الدور الذي يمكن للإنترنت أن يقدمه للصحفيين حسب رأيك؟
حق الصحفي مهضوم في ليبيا، فلم يتجرأ في عهد القذافي على قول كلمة الحق، ولذا توجهنا للإنترنت لأنه يمنحنا هامشاً كبيرا، وهذا الهامش لم يكن موجوداً في عهد القذافي، فثورة الإنترنت هي التي منحتنا هذه الحرية. وعقلية الصحافي الذي كان يعمل في زمن القذافي لن تتغير في ليلة وضحاها، خاصة وأنه كان مبرمجاً على أن هناك خطوط لا يمكن تجاوزها. ومن هنا يجب أن يعلم الصحفي أن من مهماته الرقابة على الحكومة وعلى عملها، فبوجود إعلام حر يمكن أن تكون هناك حكومة نزيهة، فهناك حكومات أسقطت بسبب مقالات صحفية وبسبب فضائح فساد. وأتمنى أن ينطلق الصحفي الليبي في فضاء الحرية المتوفر الآن، والأن يخضع لقوانين تحكم عمله، فقد سمعت عن نية وزارة الإعلام لوضع قانون للعمل الصحفي، ولكني أتمنى إلغاء وزارة الإعلام وأن يكون القضاء هو الحاكم في القضايا التي قد تنتج من وسائل الإعلام.
ما الذي يمكن أن تقدمه أكاديمية دويتشه فيله للصحافة الليبية في الوقت الراهن؟
نحتاج إلى ورش عمل في كيفية كتابة الخبر وكيفية التقاط الخبر والحصول على المعلومة وورش عمل في كيفية مراقبة أداء الحكومة، أو ورش عمل في الأخلاقيات الإعلامية ونحتاج كذلك إلى ورش عمل في التدوين لأنه جزء من العمل الصحفي، وأركز هنا على المدونات لأنها مستقبل العمل الصحفي، حسب رأيي. وأتمنى إصدار صحيفة ورقية تجمع ما يكتبه المدونون. ومن هنا فنحن بحاجة إلى متخصصين في الإعلام يساعدوننا في هذا المجال، ويجب إزالة الخوف من عقل الصحفي.